في حين أن التباطؤ الحاصل في مجال “رأس المال المخاطر” أو “الاستثماري” عالمياً، قد يكون له بعض التأثير على الشركات الناشئة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فأعتقد أنه من الضروري أن ننظر إلى الموضوع من زاويةٍ أوسع، وتحديد العوامل الرئيسية التي تؤثر على هذه الفئة من الاستثمار في المنطقة.
وفقاً لتقرير CB Insights، فقد بلغ إجمالي تمويل المشاريع الاستثمارية نحو 415.1 مليار دولار أمريكي في عام 2022، أي أقل بنسبة 35% عن عام 2021.
ولكن هل يجب أن تكون الشركات الناشئة في دولة الإمارات معنية بالأمر؟ لا سيّما وأن دبي تتمتع بأعلى معدل للاستثمار الأجنبي المباشر في الشرق الأوسط، في الوقت الذي سعت فيه الحكومة إلى خلق بيئة مثالية وجاذبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، عبر توفير مجموعة من المزايا المتعددة وحزم الدعم، التي لا توفرها لهم باقي الدول.
في الإطار ذاته، أطلقت وزارة الاقتصاد في دولة الإمارات برنامجاً محدثاً لريادة الأعمال، تسعى من خلاله إلى تطوير أكثر من 8,000 شركة صغيرة ومتوسطة الحجم وشركة ناشئة بحلول عام 2030.
وقد لاحظت مؤخراً إطلاق مبادرة “100 شركة من المستقبل“، المصممة لربط رواد الأعمال والمبتكرين الإماراتيين بالمستثمرين والموجهين، حيث تستهدف هذه المبادرة تشكيل اقتصاد مستقبل الإمارات من خلال تسليط الضوء بشكل سنوي على أفضل 100 شركة ناشئة من شأنها تعزيز جاهزية الدولة للمستقبل وتنافسية قطاعات اقتصاد المستقبل في دولة الإمارات، وتركز هذه المبادرة أيضاً على دعم الشركات الناشئة في قطاعات متعددة مثل التكنولوجيا والاستدامة والرعاية الصحية والتعليم، كما توفر المنصة الجديدة فرصاً للتواصل والتوجيه والتمويل والوصول إلى الموارد لمساعدة هذه الأعمال على النمو والمساهمة في التنمية المستقبلية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
سأستعرض لكم في السطور التالية بعض النقاط الهامة التي ينبغي على الشركات الناشئة في دولة الإمارات اعتبارها.
تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة بشكلٍ دؤوب على توفير بيئة مثالية للشركات الناشئة، تزامناً مع إطلاق عدة مبادرات مثل: مؤسسة دبي للمستقبل ومكتب أبوظبي للاستثمار، وهو ما ساهم في زيادة النشاط الاستثماري في السنوات الأخيرة، مع وجود اهتمام متزايد من قبل المستثمرين المحليين والدوليين، إذ لا تزال بيئة الاستثمار المحلية توفر فرصاً كبيرة للشركات الناشئة، في حين أن التغيرات العالمية قد يكون لها بعض التأثير.
تعطي مبادرة رؤية الإمارات 2030 الأولوية للتنوع الاقتصادي والابتكار وبذل الجهود المضاعفة للتركيز على القطاعات غير النفطية، بما في ذلك التكنولوجيا وريادة الأعمال، حيث تستهدف المبادرة استقطاب وجذب المستثمرين ودعم نمو الشركات الناشئة حتى أثناء التقلبات والاضطرابات الاقتصادية العالمية الحالية.
أظهرت الحكومة التزامها بدعم ريادة الأعمال والشركات الناشئة من خلال مجموعة متنوعة من المبادرات أبرزها: مبادرة “مركز دبي للمشاريع الناشئة” Dubai Start-up Hub، وسوق أبوظبي العالمي، وقائمتها المتزايدة من المناطق الحرة، حيث توفر هذه المشاريع التمويل والإرشاد والبنية التحتية والدعم التنظيمي، التي من شأنها تخفيف الأثر المحتمل للتباطؤ العالمي في وتيرة رأس المال المخاطر.
تدرك الحكومة تماماً الأدوار الرئيسية التي يلعبها الابتكار والتكنولوجيا في دفع عجلة التنافسية العالمية والنمو المستدام من خلال دعم ريادة الأعمال والشركات الناشئة، حيث تشجع على تطوير الحلول المبتكرة والتقنيات الجديدة ونماذج الأعمال التي يمكنها أن تعزز من مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة كمركز عالمي للابتكار والتقدم التكنولوجي.
قد يكون هناك تباطؤ عالمي في رأس المال المخاطر، لكن من الواضح أن دولة الإمارات العربية المتحدة تواصل دعمها للبنية التحتية للشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال العديد من الخطط والمبادرات المثيرة.
تملك دولة الإمارات أيضاً شبكة قوية من المستثمرين الملاك وأصحاب رؤوس الأموال الذين يتطلعون إلى الاستثمار بنشاط في الشركات الناشئة. قد يكون هؤلاء المستثمرون المحليون أقل تأثراً بالاتجاهات العالمية ويمكنهم الاستمرار في دعم الأفكار المبتكرة والشركات في مراحلها الأولى، كما أن هناك برامج محددة للمساعدة في تمويل أعمال الشركات الإماراتية والشركات الأجنبية والمشاريع “الشبابية” والشركات التي تقودها النساء، على سبيل المثال لا الحصر.
بالطبع، يمكن للشركات الناشئة تكييف استراتيجياتها للتركيز على الربحية والنمو المستدام، الأمر الذي يمكن أن يكون جذاباً للمستثمرين حتى خلال فترة تباطؤ رأس المال المخاطر، حيث يساعد إظهار مسار واضح لتحقيق الإيرادات ونموذج الأعمال المستدام في بناء ثقة المستثمرين.
علينا ألا ننسى أبداً أن هناك مصادر تمويل أكثر من رأس المال المخاطر التقليدي، وأنا شخصياً من أشد المعجبين والمؤيدين للتمويل الجماعي، كما يوجد مكافآت مالية دوماً ومنح وتمويل حكومي، وبالطبع شراكات إستراتيجية، حيث يمكن أن يوفر تنويع قنوات التمويل الاستقرار والمرونة اللازمين أثناء تقلبات السوق.
برأيي الشخصي فإنه من الضروري أن تراقب الشركات الناشئة في الإمارات العربية المتحدة اتجاهات رأس المال المخاطر العالمي عن كثب، ولكن يجب عليها أيضاً مراعاة المزايا الفريدة والفرص المتاحة داخل النظام الاستثماري المحلي.
نحن محظوظون فعلاً لأننا نعيش في هذه البيئة الداعمة لدعم ونمو الأعمال، لا سيّما الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة.
في ذات الوقت، يمكن أن يساعد التكيف والمرونة والتركيز على خلق قيمة مستدامة على المدى البعيد، تسهم في تخفيف المخاوف المتعلقة بتباطؤ رأس المال المخاطر العالمي.