بات معظم من يقرأ مدوناتي ويتابعني باستمرار على وسائل التواصل الاجتماعي يدرك مدى اهتمامي الشديد في عالم الميتافيرس الافتراضي، وهو ما دفعني إلى طرح عدد من التساؤلات والنقاشات حول المساحة الفعلية التي سيشغلها هذا الفضاء الرقمي الجديد؟ في الوقت ذاته، يتبادر إلى ذهني سؤالٌ آخر وهو: كم عدد المهام التي نقوم بها حالياً والتي يمكن أن تتكيف مع عالم الميتافيرس؟
أحد أكثر الأمثلة المثيرة للاهتمام على ذلك هو مجال الهندسة المعمارية، حيث يمتلك المهندسون المعماريون بالفعل مجموعة من المهارات المثالية للعمل ضمن مساحة افتراضية بناءً على قدرتهم على استخدام أدوات التصميم ثنائية وثلاثية الأبعاد في عملهم اليومي، لكن هل سيُغير العالم الافتراضي مهامهم وأدوارهم التي يقومون بها؟
العقارات الافتراضية
شهدت الاتجاهات والتطورات الأخيرة في الميتافيرس فضاءات عقارية افتراضية، ازدادت شعبيتها بسرعة تزامناً مع التوقعات بنمو هذا القطاع بمعدل سنوي مركب بأكثر من 31٪ بين عامي 2022 و2028.
يوفر “ميتافيرس ذا ساند بوكس”، على سبيل المثال، للمستخدمين فرصة شراء أراضٍ افتراضية يمكنهم من خلالها تطوير ممتلكاتهم الخاصة، حيث شهدت مثل هذه المساحات بالفعل استقطاب العديد من المشاهير والشركات المرموقة، الذين يستحوذون على حصتهم كرواد أوائل في هذا الاتجاه وترسيخ وجودهم في هذا المجال الناشئ.
إذا استمر بيع الأراضي الافتراضية، فمن المؤكد أنه ستكون هناك حاجة إلى المهندسين المعماريين لتطوير المباني والعقارات المرغوبة والناجحة لشغل هذه البيئة الجديدة. تماماً كما هو الحال بالنسبة للسوق العقاري على أرض الواقع، فإن التصاميم الأكثر ابتكاراً وجذباً للمشترين في عالم الميتافيرس، ستجذب عائدات مالية أكبر للمستثمرين الراغبين بالبيع في الميتافيرس.
القدرات
إذا كنت مهندساً معمارياً، أعتقد أن احتمال إنشاء عالم جديد بالكامل وإن كان افتراضياً سيكون مثيراً للغاية. على الرغم من تفضيل البعض لتكرار ذات المباني الموجود في العالم الحقيقي ونقلها إلى العالم الافتراضي الجديد، إلا أن هنالك فرصاً جديدة وتصاميم مبتكرة يمكن أن تُخلق في عالم الميتافيرس.
يمكن استخدام التوائم الرقمية لهياكل العالم الحقيقي لزيادة سعة المتاجر المماثلة أو قاعات الحفلات الموسيقية أو الملاعب بشكلٍ كبير، مما يتيح وصولًا أكبر للمتسوقين ورواد الثقافة وعشاق الرياضة لتجربة حدث ما بشكل مباشر دون مغادرة منازلهم. علاوةً على ذلك، يمكن للعميل القيام بجولة في المبنى المقترح قبل تشييده، ومن ثم مناقشة المهندس المعماري في بعض تفاصيله.
على نحوٍ مغاير للعالم الحقيقي، لا توجد قيود مادية داخل الميتافيرس، وبالنسبة لي، فإن هذه النقطة بالذات هي الأكثر إثارةً للاهتمام، مع وجود مساحة أكبر للإبداع والتصميم.
في العالم الافتراضي، من المرجح أن تصبح الهندسة المعمارية أقرب إلى الفن الرقمي، إذ أننا سنشهد حقبة جديدة في تصميم المجتمعات، حيث لا يلزم تطبيق القواعد العادية التي تحكم الطريقة التي تعمل بها المباني والمساحات، وستسمح هذه الحرية المطلقة المكتشفة حديثًا للمهندسين المعماريين باستخدام خيالهم للتفكير بشكل خلاق ومبتكر، لتوليد مفاهيم وهياكل جديدة تعمل بشكل مختلف تماماً عن المساحات التقليدية، بل ويمكن أن تحتوي على عناصر خيالية.
بالطبع، ستتطلب طرق العمل الجديدة تحولاً تاماً في العقلية، ومن المؤكد أن المهندسين المعماريين الذين يتأقلمون مع طريقة التفكير الجديدة هذه سوف يتطورون بدلاً من مجرد البقاء بدون مواكبة تغيرات السوق التي تأتي بلا شك في طريقهم.
العودة إلى الواقع (في الوقت الحالي، على الأقل)
إن الذين يعيشون في دبي ينعمون بالكثير من المزايا في مدينة تبرز فيها الهندسة المعمارية بأبهى صورها، مع وجود معالم فريدة على مستوى العالم مثل: برج خليفة، وبرج العرب، ومتحف المستقبل، على سبيل المثال لا الحصر.
إن الأفق الفريد والمستقبلي الذي تمتلكه دبي، هو مثال حي لما يمكن للمهندسين المعماريين المبدعين والمهرة تحقيقه حتى في مواجهة قيود العالم الحقيقي. فما كان يبدو مستحيلاً في الماضي بات واقعاً ملموساً اليوم، وأبرز مثالٍ على ذلك بناء برج خليفة وسط الصحراء منذ أكثر من 12 عاماً، فقط تخيل ما يمكن أن نخلقه في عالم لا تنطبق فيه القواعد العادية للفضاء والجاذبية.
أعتقد أن التحدي والفرصة هنا هو أن الانفتاح ذاته على الميتافيرس يعني أن أي شخص منا يمكن أن يكون مهندساً معماريًا قادراً على تصميم المباني وخخلق عوالم داخل عوالم لما هو أبعد من حدود الخيال. وعلى هذا النحو، سيكون من الجيد رؤية المهندسين المعماريين من أصحاب الخبرات الكبيرة وهم يقومون بتنظيم هذه الأمور تفادياً للفوضى المحتملة.
يجب أن تتحرك الهندسة المعمارية كمهنة، الآن، بسرعة لضمان نقل المهارات إلى المجال الرقمي وتقييم الخبرة ضمن مفهوم “أي شيء يسير” في ميتافيرس، إذ يجب أن يشتمل التدريب المعماري على عناصر تصميم الميتافيرس، كما ينبغي على المؤهلين بالفعل أن يتطلعوا إلى تحسين المهارات، من خلال الدورات التدريبية والبرامج التي تركز على التكنولوجيا.
في هذا العصر الجديد، كلنا مهندسون معماريون، ولكن هل هذا الأمر ينذر بخلق أفكار جديدة مثيرة للاهتمام أم فوضى في التصميم؟ الأيام المقبلة كفيلة بالرد عن هذه التساؤلات.