كان لتفشي جائحة كوفيد-19 تأثير هائل على جميع الممارسات المرتبطة باللياقة البدنية، فقد اضطر الكثير منا خلال ذروة انتشار الجائحة إلى التخلي عن الذهاب إلى الصالة الرياضية وإيجاد طرق جديدة لممارسة التمارين البدنية في المنزل.
على الرغم من أن الجائحة ساهمت في خلق هذا التحول الجديد، إلا أنها ليست السبب الوحيد الذي يقف وراء ذلك. في الواقع، كانت التدريبات الرياضية في المنزل منتشرة منذ عدة سنوات، وكانت تحطى بإقبال البعض بسبب مرونتها وسهولة القيام بها من خلال بعض الأجهزة البسيطة مثل أجهزة المشي والدراجات الثابتة.
في ضوء ذلك، كانت التكنولوجيا هي الحل لتعزيز هذا التحول، فلقد رأينا تغييراً تدريجياً في الطريقة التي يتبعها الأشخاص للحفاظ على لياقتهم البدنية وهم في المنزل.
في الوقت الذي أغلقت فيها صالات اللياقة البدنية أبوابها نتيجة تفشي الجائحة، وجد الكثير من الأفراد في التدريبات عن بُعد أو التدريبات الفردية في المنزل ملاذاً مثالياً للحفاظ على لياقتهم البدنية، تزامن ذلك مع انتقال الكثير من مدربي اللياقة البدنية إلى منصات التواصل الاجتماعي للترويج لخدماتهم وعرضها أمام شريحة واسعة من الأفراد، وهو ما ساهم بدوره في نمو هذا التحول الهائل ضمن هذه القطاع.
ما أصبح واضحاً لدينا من خلال تصنيف بعض القوائم مثل “أفضل مدربي اللياقة البدنية على انستغرام”، هو أننا يمكن أن نحافظ على لياقتنا مع القليل فقط من المعدات أو بدونها، ولكن بقدر كبير من التحفيز والشغف.
ومن المحتمل أن يشهد قطاع اللياقة البدنية إقبالاً أوسع في مرحلة ما بعد الجائحة، حيث أصبح الناس أكثر اعتيادًا على ممارسة تمارين اللياقة البدنية عبر الإنترنت، وغالبًا ما يكون الحصول على تلك الحصص مجاناً.
هناك الآن العديد من العلامات التجارية التي تردم الهوة بين إجراء التمارين في المنزل وعضوية النادي الرياضي مثل “NordicTrack” و”Hydrow”، مما يجعل المعدات المتطورة التي تسهل إجراء التمارين عن بعد في متناول جمهور واسع من الناس.
كما أرى أيضًا اتجاهًا متزايدًا في “مرايا” اللياقة البدنية المتصلة بالإنترنت، حيث يمكنك اتباع إرشادات التمرين عبر شاشة كبيرة مدمجة في المرآة.
في حين ساهم تفشي الجائحة بشكلٍ كبير في تسريع انتشار ممارسة التمارين الرياضية في المنزل، فإن الكثير من الناس يكافحون لإيجاد توازن مناسب بين حياتهم العملية والذهاب إلى صالة اللياقة البدنية.
إذن، هل ستستمر “صيحة” ممارسة التمارين الرياضية من المنزل لفترةٍ طويلة لاسيما في مرحلة ما بعد الجائحة؟ أم أن الجميع سيعود إلى الصالات لممارسة الأنشطة والتمارين البدنية.
إليكم أبرز توقعاتي في هذا الصدد:
استمرار ممارسة التمارين الرياضية من المنزل مرتبط ارتباطاً وثيقاُ باستمرار جائحة كوفيد-19
على مدار الأزمة، كانت دولة الإمارات سباقة في الاستجابة المثالية للجائحة وكانت من بين الأفضل عالمياً، ولكن مع استمرار ظهور متحورات جديدة تفرض تحديات على مستوى العالم، قد لا يزال بعض عشاق اللياقة البدنية يشعرون براحة أكبر في ممارسة التمارين من المنزل، على الأقل في الوقت الحالي.
في الكثير من الحالات، سيكون هناك حافز أقل للعودة إلى صالة الألعاب الرياضية، خاصة بين أولئك الذين استثمروا بكثافة في المعدات الرياضية المنزلية وبرامج التدريب عن بعد.
عودة الأنشطة إلى صالات اللياقة البدنية
كان قطاع السياحة والضيافة من أكثر القطاعات التي تأثرت سلباً بتفشي الجائحة، في حين كان قطاع اللياقة البدنية من بين القطاعات الأخرى التي تأثرت أيضاً بتبعات الجائحة على نحوٍ واسع.
عندما تم فرض الحظر في الكثير من الدول، اضطرت الصالات الرياضية واستوديوهات اللياقة البدنية للإغلاق حفاظًا على السلامة العامة، فلم يكن لدى المشتركين سوى خيار الانتقال إلى التدريبات المنزلية.
ومع ذلك، تستغرق هذه العادات وقتًا لتغييرها، وبينما رحب الكثيرون بفرصة العودة إلى الصالات، إلا أن البعض الآخر أبدى أريحية أكثر في الحفاظ على لياقته البدنية من المنزل.
لا يخفى على البعض أن هناك تمارين رياضية معينة يصعب القيام بها من داخل منزلك، لذلك أعتقد أن المزيد والمزيد منا سيعود تدريجياً إلى الصالات.
من ناحيةٍ أخرى، تفتقد التمارين الرياضية المنزلية إلى الحماس والإحساس بالمنافسة، كما نفتقد فيها إلى دعم أصدقائنا أثناء قيامنا بالتمارين الرياضية داخل الصالة.
وبالمقابل فإن هناك فوائد واضحة تقدمها التمارين الافتراضية، فعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته الكثير من الشركات على مستوى استقطاب الخبراء إلى المنازل افتراضياً، فلا يزال الأمر مختلفًا عن وجود مدربك الشخصي الذي يدعمك ويحفزك على الاستفادة من طاقتك القصوى في صالة الالعاب الرياضية، فقد يحتاج البعض منا إلى الحماس والصراخ أحياناً للتحفيز وإنجاز المهمة على أكمل وجه.
مستقبل اللياقة البدنية في دولة الإمارات العربية المتحدة
على الرغم من بدء انحسار الجائحة وتلاشي تأثيرها على حياتنا اليومية، إلا أن هناك فئة قليلة فقط تتوقع زوال التمارين الافتراضية، لاسيما مع التأثير الهائل للتكنولوجيا على هذا القطاع.
كان ممارسة التمارين المنزلية سوقًا مربحة منذ ظهور “نظام الفيديو المنزلي” ومع استمرار تطور التكنولوجيا لا شك أن التطبيقات وأنشطة اللياقة البدنية عبر الإنترنت ستجد جمهورًا واسعاً بين أولئك الذين يفضلون القيام بالتمارين الرياضية بكل خصوصية، والقيام بالتمارين المنزلية هي نعمة كبيرة لأولئك الذين لا يشعرون بالثقة في الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية.
من الإيجابيات الأخرى التي توفرها التمارين المنزلية هو إمكانية القيام بها في الوقت الذي يناسبنا، كما يمكننا النظر إلى الموضوع من وجهة نظر مستدامة، حيث أن الذهاب إلى الصالة الرياضية يتطلب منا استخدام إحدى وسائل النقل، بينما القيام بالتمارين من المنزل لا يتطلب هذا الأمر.
هذا وتتفوق دولة الإمارات العربية المتحدة على الكثير من الدول بالمزايا التي تتمتع بها والتي تتمثل في توفير وسائل الراحة والمناخ المعتدل في فصل الشتاء.
هنا، أود أن أطرح بعض التساؤلات، لماذا تمارس رياضة اليوغا أمام التلفاز في الوقت الذي يمكنك الانضمام إلى دروس اليوغا التي تقام على شواطئ دولة الإمارات الساحرة؟ ولماذا تختار ركوب الدراجة الثابتة في الصالة بينما يمكنك ركوب الدراجات في الهواء الطلق مع التمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة.
عندما يتعلق الأمر بمستقبل قطاع اللياقة البدنية في دولة الإمارات العربية المتحدة في مرحلة ما بعد الجائحة، فإني أرى مزيجاً من التدريبات في الهواء الطلق وصالات اللياقة البدنية والتدريب المنزلي والافتراضي والحصص الرياضية التي تحظى بشعبية متزايدة، وهو شيء رائع في حقيقة الأمر، لأن هذه المرونة ستعود بالفائدة على الأفراد والشركات التجارية على حدٍّ سواء.