أضحت الاستدامة التي كانت تعتبر في يومٍ من الأيام ذات تكلفة كبيرة من قبل العلامات التجارية في قطاع التجزئة، مرتبطة بتوجهات المستهلكين على نطاقٍ واسع، كما بات يُنظر إليها كمصدر للميزة التنافسية التي يمكن أن تساعد في زيادة الأرباح ونمو الشركات.
ووفقًا لدراسة أجرتها شركة أكسنتشر للاستشارات الإدارية بما يتعلق بمفهوم استدامة الشركات، أكد 99٪ من الرؤساء التنفيذيين للشركات الرائدة، بأن مفهوم الاستدامة بات أمراً بالغ الأهمية لنجاحهم في المستقبل، حيث ترى الغالبية العظمى بأن هناك ارتباطًا وثيقاً بين الاستدامة وقيمة الأعمال.
بدورها، أظهرت دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل التزامًا طويل الأمد بالاستدامة، من خلال استراتيجيتها للتنمية الخضراء التي تهدف إلى بناء اقتصاد أخضر مستدام.
في هذا الإطار، ينبغي علينا جميعاً تحمل المسؤولية الفردية والجماعية لاسيما على مستوى المؤسسات، بهدف دعم الاستدامة في الدولة والمحافظة على كوكبنا.
إذن، ما الذي تحتاجه العلامات التجارية وتجار التجزئة كي يصبحوا أكثر استدامة؟
اختيار المستهلك
بات المستهلكون يدركون بشكلٍ متزايد أهمية البصمة البيئية، ويحرصون على تغيير سلوكهم بما يتعلق بالاستهلاك.
في هذا الصدد، يحتاج تجار التجزئة إلى مساعدة المستهلكين كي يصبحوا أكثر درايةً بمنتجاتها وتقديم خيارات أكثر استدامة.
إن عمليات حظر الحقائب أو فرض رسوم عليها هي مجرد البداية فقط، لذا فمن الضروري اتباع نهج شامل لاستدامة الشركة، حيث لا تكون هذه الممارسات مفيدة فقط على مستوى الأعمال، وإنما لكوكب الأرض بأكمله.
يجب على تجار التجزئة الذين يتطلعون إلى تحسين بصمتهم البيئية وسمعتهم وقدرتهم التنافسية الشاملة مراعاة ما يلي:
الالتزام بالاستدامة
يجب على قادة الأعمال أخذ الاستدامة على محمل شخصي وتعزيز الاقتصاد الدائري ومحاسبة الأشخاص فيما يتعلق بتطبيق أهداف الاستدام، وإجبارهم على إجراء مناقشات مع المستثمرين من أجل إحداث تغيير إيجابي.
اعتماد نماذج الأعمال الدائرية
يمكن لمثل هذه النماذج تقديم قيمة هائلة وتمكين علامات التجزئة من التخلص من النفايات وإحداث تأثير إيجابي عبر سلسلة القيمة وتحسين القدرة التنافسية، إذ ثبت بأن نماذج الأعمال الدائرية توفر الجدوى المالية، ويمكن لتجار التجزئة ببساطة اختيار أولئك الذين سيقدمون أكبر المكافآت.
مكافأة المستهلكين
يمكن للعلامات التجارية في قطاع التجزئة بناء ولاء طويل الأمد، من خلال تمكين ومكافأة السلوك الأخلاقي للمستهلكين، ويمكن أن يطبق ذلك من خلال تقديم الحوافز البيئية وإعادة الاستخدام وخطط إعادة التدوير ومكافآت النظام البيئي على نطاق أوسع.
الحاجة الملحة للبيع بالتجزئة المستدامة خلال جائحة كوفيد-19
شهد العديد من تجار التجزئة تحولًا كبيرًا في توجهات وسلوكيات المستهلكين وتوقعاتهم خلال جائحة كوفيد-19.
ووفقاً لاستطلاع شركة ماكنزي الأميركية للاستشارات الإدارية، فقد أعرب نحو 65% من المستهلكين الألمان والبريطانيين، عن نيتهم شراء المزيد من المنتجات العالية الجودة التي تدوم لفترة أطول، كما قال 64% من المستهلكين الصينيين بأنهم سيفكرون في المزيد من المنتجات الصديقة للبيئة.
من جهته، قال الرئيس التنفيذي لأحد دور الأزياء: “خلال السنوات العشر الأولى من عملنا، لم تكن الاستدامة حتى من بين الأسباب الخمسة الأولى لاختيار المستهلكين لشركتنا، ولكنها باتت الآن إحدى أهم سببين، حيث يرغب المستهلكون في الاطلاع على بيانات تتحدث عن التأثير البيئي، حيث تعد الشفافية أمراً بالغ الأهمية”.
هذا ويشجع تحالف يضم 150 شركة تُعد من أبرز الشركات والعلامات التجارية العاملة في قطاع التجزئة، صانعي السياسات على استثمار أموال الانتعاش والتعافي من جائحة كوفيد-19 في المبادرات الخضراء، بما يتماشى مع أهداف اتفاقية باريس العالمية للمناخ.
أهمية تطبيق مفهوم الاستدامة للمؤسسات
يتوافق مفهوم الاستدامة مع الأهداف الاستراتيجية والتشغيلية لتجار التجزئة، على سبيل المثال، فإن تقليل نفايات التغليف يساهم أيضًا في خفض التكاليف.
إنها ليست تجارة جيدة فحسب، بل هي جهود حثيثة لتطبيق الاستدامة، والتي قد تُفضي إلى زيادة مرونة سلسلة التوريد.
حتى الآن، لا تزال بعض الشركات مترددة في استخدام بدائل مستدامة، خوفاً من المساومة على الجودة أو تلف العلامة التجارية، فعندما يكون هذا هو الحال، فقد تكون الخطوات الأولى الجيدة هي، ببساطة، بدء التجربة وإطلاق برنامج قوي لتعليم الموظفين.
إن ضمان إمكانية تنفيذ مبادئ الاقتصاد الدائري، من خلال تقليل وإعادة الاستخدام والتجديد والإصلاح وإعادة التدوير، هو المفتاح الرئيسي لتحقيق التغيير.
عرض الاختيار على العملاء
يرغب العملاء على نحوٍ متزايد في أن يكونوا جزءًا من مفهوم الاستدامة. ببساطة فإنه يجب على تجار التجزئة الأذكياء أن يقدموا للمستهلكين منتجات وخدمات مستدامة. وإذا لم يكن هناك خيار مستدام، فسينفق المستهلكون في مكانٍ آخر، وستصبح نظرتهم سلبية إلى العلامة التجارية.
تحديد الأهداف والتأكد من أن التقدم حقيقي
تضع العديد من الشركات الاستهلاكية الرائدة أهدافًا طموحة لها، على سبيل المثال، أكدت شركة يونيليفر أن 100% من أعمال الرعاية المنزلية ستعتمد بالكامل على مصادر متجددة، وذلك بحلول عام 2030. لذا، يجب أن يتم ترجمة هذه الأهداف إلى خطوات ملموسة، حتى لو كانت تلك الخطوات صغيرة.
قد تتسبب بما تسمى “ظاهرة الغسل الأخضر” في رد فعل شعبي غاضب، إذ تعد الموثوقية أمرًا مهمًا، لكن المستهلكين يتوقعون بشكل متزايد أن جهود العلامات التجارية ستكون مدعومة بإجراءات وبيانات حقيقية.
استخدم مقاييس ومعايير الصناعة
يوجد أكثر من 460 شعارًا للاستدامة، والتي تسبب إرباكًا واضحاً للمستهلكين، إذ يجب أن يستخدم تجار التجزئة أهدافًا مشتركة وواضحة يمكن التعرف عليها وفقًا لمعايير الصناعة (على سبيل المثال، أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة) ، وتقنيات القياس (على غرار مؤشر هيج للأزياء)، والشهادة (مثل شهادة بي كورب للأعمال المسؤولة).
أهمية السعر
معظمنا معجبٌ بفكرة السيارات الكهربائية، ولكننا نتردد في شرائها بسعرٍ مرتفع، لذا يجب أن يضمن تجار التجزئة أن المنتجات المستدامة ليست مجرد “إضافات” لخط الإنتاج فحسب، بل يجب أن يتماشى تسعير الخيارات المستدامة مع الخيارات الأخرى، أو يجب أن توفر المنتجات فوائد مميزة عن غيرها.
لكي يدفع قطاع البيع بالتجزئة أكثر من مجرد كلام شفهي لتطبيق مفهوم الاستدامة، فيجب أن يستمر في الوصول إلى أهداف طموحة، وأعتقد أن تحالفات الصناعة التي تقود أهدافًا تعاونية ستكون أكثر شيوعًا في المستقبل القريب.
إن الإجراءات التي يمكن أن تجعل البيع بالتجزئة أكثر ملاءمة للبيئة ورعاية اجتماعية ومسؤولة اقتصاديًا، متاحة الآن أمام الجميع، ويسهل تنفيذها نسبيًا وتحقق فوائد طويلة الأجل إلى المحصلة النهائية وولاء المستهلكين، وباختصار فإنه لا يجب تجاهل الاستدامة في قطاع التجزئة.
تحتاج الصناعة إلى العمل والتعاون الوثيق مع الحكومة والعملاء والموردين، لتحديد المعايير وتغيير العمليات وإنشاء منتجات جديدة.
ومع بدء مرحلة التعافي والانتعاش عالمياً من آثار الجائحة وتبعاتها، فقد بات الطريق ممهداً لتجارة التجزئة كي تقود الجهود إلى مستقبلٍ مشرقٍ ومستدام.