هل تسهم تقنية البلوك تشين في تحقيق أهداف دولة الإمارات في مجال الاستدامة؟

14/02/2023 by علي سجواني

لا يخفى على أحد من القرّاء والجمهور الذين يقرأون مدوناتي باستمرار، مدى تعلقي بالتكنولوجيا وشغفي الكبير تجاهها، لا سيّما “البلوك تشين” وقطاعات الأعمال المستدامة، خاصة وأن هذه التقنية التي تمكننا من تسجيل وتوثيق المعاملات رقمياً وتتبع الأصول في شبكة الأعمال، قد شهدت تطوراً هائلاً في استخداماتها خلال الفترة الماضية.

ورغم أن كثيراً من الخبراء أشاروا إلى أن البلوك تشين يستهلك كميات هائلة من الطاقة عند استخدامه للتحقق من معاملات التشفير وتسجيل ملكية الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، على سبيل المثال، لكن هذا الوعي يعزز الاعتماد على مصادر جديدة للطاقة، مثل الطاقة الشمسية، لتشغيل مزارع الخوادم الضخمة لدعم جميع عمليات التعدين والمعاملات المشفرة.

ومن الطبيعي أن يربط الكثير من الناس بين تكنولوجيا “البلوك تشين” وقطاع العملات المشفرة، ولكن يمكن استخدام هذه التقنية أيضاً لحل بعض المشاكل البيئية الهامة، ويرى بعض المحللون أنه يمكن أن تساعد في الحد من ظاهرة التغير المناخي إذا تم اعتمادها أكثر على الصعيد العالمي.

وبالنظر إلى أن قواعد البيانات غير القابلة للتغيير التي تشكل “البلوك تشين” تتيح إمكانية تتبع المعاملات والتفاعلات والتحقق منها بدون سلطة مركزية، يمكن أن يزيد ذلك أيضاً من شفافية وكفاءة المشاريع البيئية بشكلٍ كبير، كما يمكن تقييم وتحليل المعاهدات والاتفاقيات البيئية ومراقبة امتثال المعنيين بها بما يسهم أيضاً بالحد من حالات الاحتيال.

ولكن كيف يمكننا مراقبة التأثير الحقيقي للمعاهدات البيئية، خاصة أن العديد من الشركات والهيئات الحكومية حول العالم لا تلتزم بشكلٍ واضح بتنفيذها، لا سيّما في حال عدم وجود حافز للإبلاغ المنتظم عن مستويات التقدم أو الوفاء بتعهداتها. وعلى هذا الأساس، يعد الاحتيال والتلاعب بالبيانات تحدياً حقيقياً في هذا المجال.

ولكن الاعتماد على “البلوك تشين” يمكن أن يحد من حالات عدم الإبلاغ عن التقدم الملموس بشكلٍ غير صحيح، كونها قادرة على تتبع البيانات البيئية الهامة، وأن تكشف بسهولة ما إذا تم الوفاء بالوعود والتعهدات، فبمجرد إدخال البيانات في منظومة “البلوك تشين” سيتم تخزينها إلى الأبد.

وبطبيعة الحال فإن تخزين المستندات القانونية على “البلوك تشين” يقلل من حالات الاحتيال والتلاعب. وعلى سبيل المثال، يُعتبر نظام “أرصدة الكربون” العالمي سجلاً موثوقاً لاعتماد التعاملات، وهذا يعني أنه بإمكان الشركات والحكومات تتبع حالات الرشاوى أو الاستخدام غير القانوني. كما يمكن حساب ضرائب الكربون ومراقبتها، وربما يمكن إنشاء نظام لتقييم سمعة الشركات فيما يتعلق بمراقبة الانبعاثات.

ومن الصعب تقييم التأثير البيئي للمنتجات في الوقت الحالي، ولا تؤخذ البصمة الكربونية في الاعتبار عند تحديد السعر. وهذا يعني أن المستهلكين ليس لديهم دافع كبير لشراء السلع ذات الحد الأدنى من البصمة الكربونية، وأن الشركات لديها أسباب أقل لتسويق مثل هذه السلع.

وباستخدام تكنولوجيا “البلوك تشين” لتتبع البصمة الكربونية للمنتجات، يمكننا منع تغيير البيانات واستخدامها لحساب ضريبة الكربون المناسبة التي يجب فرضها في وقت البيع. وتشير التوقعات إلى أنه من المرجح أن يشتري العملاء المنتجات ذات البصمة الكربونية الأقل إذا كانت أرخص. كما يسهم “البلوك تشين” أيضاً في تتبع سلسلة التوريد، ما يساعد بالتالي على تقليل الممارسات غير المستدامة وحجم الانبعاثات الكربونية الناجمة من المنشأ إلى المنتج النهائي.

ولكن كيف يمكننا كمستهلكين أن نعرف فيما إذا كانت المنتجات مصنوعة حقاً بطريقة أخلاقية؟ ففي الغالب لا تكون هذه المعلومات متوفرة أو يصعب التحقق من صحتها. وللأسف تقوم العديد من الشركات بإعطاء معلومات غير صحيحة حول كيفية تصنيع منتجاتها وما هي المكونات التي تتم استخدامها في عملية التصنيع.

وهكذا يمكن لتكنولوحيا “البلوك تشين” تتبع المنتجات من الشركة المصنعة إلى يد المستهلك، ما يسهم بالمساعدة في منع الاحتيال والممارسات غير الأخلاقية وتخفيف الهدر من تعزيز مستويات شفافية سلاسل التوريد. وإذا أصبح المستهلكون على دراية أفضل بكيفية تصنيع وشحن المنتجات فسيكون بإمكانهم اتخاذ خيارات أكثر وعياً بالبيئة بسهولة أكبر.

كما يمكن تطوير عمليات إعادة التدوير عبر تبني “البلوك تشين” من خلال تمكين نظام تتبع المكافآت الرقمية. ففي الوقت الحالي، لا توفر برامج إعادة التدوير حوافز جيدة للمشاركة بها بشكل عام. وغالباً ما تقع مسؤولية تشغيل مثل هذه البرامج على عاتق السلطات المحلية، مما يعني وجود تنوع كبير في مستويات فعاليتها، ووجود صعوبة واضحة في تتبع وقياس تأثيرها الإجمالي.

وقد تشجع برامج إعادة التدوير القائمة على تطبيقات “البلوك تشين” شريحة أوسع على المشاركة بها من خلال تقديم مكافآت مالية (cryptographic tokens) نظير إيداع المواد القابلة لإعادة التدوير مثل زجاجات المياه البلاستيكية. ورغم أن هذه الممارسات موجودة بالفعل إلا أنها لم تحقق انتشاراً عالمياً واسعاً. كما أصبحت إمكانية التتبع الشفاف للبيانات مثل الحجم والتكلفة والربح أسهل بكثير، إضافة إلى إمكانية تقييم تأثير كل موقع أو مؤسسة أو فرد مشارك بهذه البرامج.

وعلاوةً على ذلك، يمكن أيضاً مراقبة استهلاك الطاقة من خلال الأنظمة القائمة على “البلوك تشين” والتي تحسن من فعالية الوصول إلى الطاقة في مختلف المواقع وعند الحاجة إليها. فعادةً ما تكون شبكات الإمداد بالطاقة مركزية، ما يؤدي أحياناً إلى تقليل كفاءة توزيع الطاقة أو وجود فائض غير مستخدم، إلا أن أنظمة الطاقة التي توظف هذه التقنيات المتقدمة تقلل من الحاجة إلى نقل الكهرباء لمسافات طويلة والتي تكون تكلفتها عالية جداً، كما تقلل من الحاجة إلى تخزين الطاقة في حال إمكانية نقل الطاقة الكهربائية من مكان إنتاجها إلى مكان الحاجة إليها.

وفي الختام، أرى أن التكنولوجيا كانت وستبقى لخدمة الإنسان وتحقيق تطلعاتنا وأهدافنا، وعلينا أن نواصل العمل على تطوير وتوظيف التطبيقات التكنولوجية المتقدمة مثل “البلوك تشين” لضمان مستقبل أفضل للجميع.

Related المدونات

مشاهدة الكل

ما هي أبرز العوامل اللازمة لخلق تجرب ...

Home Banner 22/04/2024 by علي سجواني

في عالم تتبع فيه الفخامة في كثير من الأحيان نموذجًا مشابهًا، قد يصبح من الصعب تمييز العروض المتميزة عن غيرها، ...
اقرأ أكثر

ما هي أبرز الاتجاهات الجديدة المتوقع ...

Home Banner 22/03/2024 by علي سجواني

لطالما تحدثت في العديد من المناسبات السابقة عن شغفي الكبير بعالم العقارات، حيث شجعني والدي أنا وإخوتي على تطوي ...
اقرأ أكثر

Amali Island in Dubai

لماذا يتجه مشترو المنازل الفاخرة أكث ...

Home Banner 15/02/2024 by علي سجواني

من الطبيعي لأي شخص يعرف ولو القليل من المعلومات عن طبيعة الحياة في دولة الإمارات أن المشاريع السكنية الموجودة ...
اقرأ أكثر