لا يخفى على أحدٍ منا بأن كوكبنا يمر بأوقاتٍ عصيبة ويشهد تحدياتٍ جمّة مرتبطة بمصادر الطاقة وظاهرة الاحتباس الحراري. وبينما تحقق كبرى شركات الطاقة العالمية أرباحاً قياسية، يضطر المستهلكون إلى اتخاذ بعض القرارات الصارمة للتعامل مع ظاهرة ارتفاع أسعار الطاقة إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، ويضطرون إلى ترشيد استهلاك الطعام مقابل تسديد رسوم فواتير الطاقة.
في الواقع، نحن محظوظون في هذه المنطقة بسبب وجود حكومات واعية تخطط للمستقبل بشكلٍ علمي، وتسعى جاهدةً لتقليل انبعاثات الكربون والتحرك نحو أنواع وقود أكثر استدامة، مع ضمان حصول العالم على الطاقة التي يحتاجها.
في الوقت الذي تسعى فيه دول العالم إلى إحراز تقدمٍ ملموس في تحقيق أهداف المناخ، يجب أن يدرك صانعو السياسات أن التقدم في هذا الشأن لن يحدث دون معالجة ما يسمى بـ “المعضلة الثلاثية” المتمثلة في: أمن الطاقة ومساواة الطاقة واستدامة الطاقة.
تعد شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك”، واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، لكنها اكتسبت سمعةً طيبة بعد اتخاذها عدداً من الخطوات الجريئة والمستدامة، بما في ذلك تحويل إمدادات الطاقة التشغيلية إلى الطاقة النووية والشمسية الخالية من الكربون، حيث أدى تشغيل حفاراتها النفطية وغيرها من العمليات البحرية بالكهرباء إلى تقليص بصمة أدنوك الكربونية إلى النصف.
ولكن على الرغم من الجهود المبذولة في سبيل تحقيق أمن الطاقة العالمي، إلا أن العالم يواجه مشكلةً حقيقية مرتبطة بزيادة عدد السكان الذي من المتوقع أن يصل إلى نحو 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2050، لذا يجب على صناعة الطاقة أن تنتج طاقة أكثر بنسبة 30% على الأقل مما تنتج اليوم، وذلك لتلبية احتياجات العدد المتزايد من السكان.
أتطرق، في السطور التالية، إلى بعض الخطوات التي يتوجب على شركات الطاقة اتخاذها لمواجهة التحديات المرتبطة بأمن الطاقة في العالم.
العمل على إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص
إن تحقيق صافي انبعاثات صفرية يحتاج إلى بذل جهودٍ على نطاقٍ واسع واستثمارات تصل إلى تريليونات الدولارات، وهو لا يمكن لأي دولة أو شركة أن تحققه بمفردها، ففي عام 2020، على سبيل المثال، قدرت لجنة تحولات الطاقة أن كلفة الاستثمارات العالمية الإضافية لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، تتراوح من 1 إلى 2 تريليون دولار أمريكي سنوياً.
إن وجود شراكات حقيقية، في هذا الجانب، من شأنه أن يضمن تبادل المعرفة والاستفادة من الموارد المشتركة والعمل معاً من أجل الصالح العام، إذ ربما تتجه شركات الطاقة الكبرى إلى تشكيل مجموعة شبيهة بمنظمة أوبك، لضمان تحقيق أهداف صفر انبعاثات وضمان الحصول على الطاقة المتجددة.
ومن الجدير بالذكر أن “قمة أديبك للطاقة” التي تقام في أبوظبي ومؤتمر المناخ (كوب 28) الذي من المقرر أن تستضيفه دولة الإمارات العام المقبل، يوفران فرصةً مثالية لمناقشة هذه التحديات وتفعيل مثل هذه الشراكات.
طمأنة عملائهم بأنهم يستثمرون في الوقود المستدام
نعلم جميعاً أن الاعتماد على “الوقود الأحفوري” مثل النفط والغاز له آثار سلبية للغاية على البيئة ويسهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، لذا، بدأت الشركات الكبرى باتخاذ خطوات مهمة للتقليل من هذه المخاطر، مع ضمان تلبية احتياجات الطاقة العالمية.
يوضح “المنتدى الاقتصادي العالمي” أن التحول إلى مصادر طاقة الرياح والمياه والطاقة الشمسية سيؤدي بحلول عام 2050، إلى إبطاء آثار الاحتباس الحراري واستقرار قطاع الطاقة العالمي.
باختصار، تدرك كبرى شركات الطاقة العالمية تماماً الحاجة الملحة إلى ضرورة اتخاذ خطوات إضافية للانتقال إلى الوقود المستدام، إذ يحتاج هذا التحول القيام بتغييرات جذرية تشمل كلاً من: التنظيم والاستثمار وتطوير المهارات وتبني التكنولوجيا المتقدمة، ناهيك عن الحاجة المتزايدة إلى تقديم أفعال على أرض الواقع وتخطي مرحلة النقاشات والحوارات، وذلك لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
لنأخذ شركة أدنوك الوطنية كمثال إيجابي في قمة أديبك للنفط والغاز في نسختها الأخيرة، حيث أعلن عملاق الطاقة عن خطط لزيادة خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري لتحقيق الوصول نحو هدف تخفيض كثافة الميثان إلى نسبة 0.15% بحلول عام 2025، مما يعزز مكانتها كواحدة من أقل شركات النفط والغاز، في العالم، من حيث كثافة استخدام الكربون.
تقسيم أرباح إنتاج الطاقة مع تلك الدول مثل الدول الصغيرة النامية التي تحتاج إلى المساعدة في تأمين إمدادات الطاقة المستدامة وزيادة أمن الطاقة
نقطة أخيرة، ولكنها مهمة، وهي أن عصر الطاقة الجديد يجب أن يشمل وصول الطاقة للجميع، حيث تم تسليط الضوء على أن الدول المتقدمة تدعو إلى خطط مكلفة ومستهلكة للوقت لخفض الانبعاثات، بينما لا تزال الدول الصغيرة تكافح من أجل الوصول الشامل إلى الطاقة، لذا يجب معالجة هذا التفاوت العالمي في عصر الطاقة الجديد.
من المثير للاهتمام أن نرى كيف تعمل بعض الجهات مثل جائزة زايد للاستدامة على منح التمويل للمشاريع المحلية، بدءاً من الطاقة الشمسية وصولاً إلى إنتاج الغذاء، كما أن الدافع الجديد نحو الشفافية والالتزام بأهداف الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، يلفت الانتباه إلى حاجتنا إلى مزيد من المسؤولية الاجتماعية للشركات.
جوهر المشكلة بالطبع هو أننا جميعاً نحتاج إلى استخدام الطاقة بكافة أشكالها، لكن هل نعرف أو حتى نهتم من أين تأتي طاقتنا؟ لدينا القدرة على التأثير من خلال تبديل الموردين وتوليد الإمدادات الخاصة بنا (من خلال الألواح الشمسية على أسطح منازلنا، على سبيل المثال)، وبذلك نضمن أن تكون شركات الطاقة العالمية الكبرى على قدرٍ كبير من المسؤولية والشفافية.