ستارلينك هي شبكة من الأقمار الصناعية التي تعمل ضمن مدار أرضي منخفض، وتهدف إلى توفير الاتصال بالإنترنت بأسعار معقولة إلى جميع أنحاء العالم، لاسيما في المناطق الريفية والنائية التي تقع خارج نطاق الاتصالات التقليدية.
في الواقع، قد يتساءل البعض بأنها المرة الأولى التي ينشئ فيها العالم شيئًا ما متاحًا للجميع. من وجهة نظري، فإن هذا الأمر يستحق الإشادة، ولكن ما هي التحديات التي تواجهها هذه الشبكة لتحقيق أهدافها المرجوة؟
ستتألف شبكة ستارلينك مبدئيًا من أكثر من 12,000 قمر صناعي، بالتزامن مع قيام الشركة تقديم طلب إلى هيئة تنظيمية دولية لـ 30.000 قمر صناعي إضافي، إذ تتوقع الشركة جذب نصف مليون مشترك بحلول منتصف عام 2022.
في الحقيقة، يواجه مشروع ستارلينك الذي راود الملياردير الأمريكي إيلون ماسك منذ طفولته، منافسة حقيقية من بعض الشركات الأخرى، التي تسعى بدورها إلى توفير الإنترنت لمختلف المناطق حول العالم من خلال شبكة من الأقمار الصناعية.
يبشر هذا التنافس بعصرٍ جديد في مجال الاتصالات، ولكنه مليء بالتحديات والعقبات، تتمثل في آلية نقل هذا الكم الكبير من الأقمار الصناعية.
في تغريدةٍ سابقة له على تويتر، قال ماسك: “كي ينجح مشروع ستارلينك من الناحية المالية، فإن سبيس إكس بحاجة إلى ردم الهوة العميقة فيما يتعلق بالتدفق النقدي السلبي. تاريخياً، شهدنا إفلاس مثل هذه المشاريع، ولكننا نأمل بأن نكون أول من يتجاوز هذا الأمر”.
دفعني هذا المشروع إلى إجراء بحث موسع حول فرص نجاحه وأبرزالتحديات التي يواجهها، والتي ألخصها لكم في السطور التالية:
التكلفة: في وقتٍ سابق من هذا العام، قالت سبيس إكس بأن إبقاء ستارلينك في المدار سيكلف 30 مليار دولار أمريكي بعد احتساب تكاليف الاستثمار، لذا يحتاج مشروع ستارلينك مابين 5 إلى 10 مليارات دولار كي يحقق تدفق نقدي إيجابي.
بالإضافة إلى التكلفة الباهظة وسنوات من البحث والتطوير، يحتاج المشروع إلى تعويض جزء من هذه التكاليف من خلال المشتركين في الخدمة.
في هذا الإطار، قال المحلل تيم فارار رئيس تيليكوم ميديا آند فاينانس أسوشييتس، لوكالة رويترزبأن شركة ستارلينك ستحتاج إلى ملايين المشتركين، ورسوم شهرية تصل إلى نحو 99 دولاراً أمريكياً للمشترك الواحد، كي تتمكن من استرداد نحو 5 مليارات دولار من الاستثمار في غضون عام.
الطقس: في الماضي، لعب عامل الطقس دوراً رئيسياً في إفشال المشاريع التي تعتمد على الأقمار الصناعية، ولا يعد ستارلينك استثناءً، حيث فشل المستخدمون الأوائل في الولايات المتحدة من الوصول إلى الخدمة بسبب ارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات عالية في فصل الصيف، إذ اشتكى مشتركو الاختبار التجريبي من عدم انتظام الاتصال بسبب الطقس، قابل ذلك سيل من الدعابات والتعليقات الساخرة عبر الإنترنت، فيما يتعلق بتبريد الجهاز بخرطوم مياه الحديقة.
السعر للمستخدمين: في حين يتم الترويج لها كخدمة متاحة للجميع، إلا أن الإعدادات الأولية ورسوم الاشتراك الشهري تتجاوز مقدرة العديد من الأشخاص، لاسيما وأنهم يعيشون في المجتمعات ذاتها التي يستهدف مشروع ستارلينك تزويدها بالخدمة.
كما ذكرت سابقًا ، فإن سعر 99 دولارًا أمريكيًا في الشهر مرتفع جدًا بالنسبة لعدد كبير من الأشخاص، أضف إلى ذلك تكاليف التركيب، لذا، فإن هذه الخدمة ستتاح فقط لمن يستطع تحمل تكاليفها المادية، وهم قلة قليلة في المناطق النائية من العالم.
وفي هذا السياق، تقول سبيس إكس إن التحدي الأكبر هو تقليل تكلفة المحطة (المعدات التي توفر الرابط بين الأقمار الصناعية ومستخدم الخدمة). في هذا الصدد، تمكنت ستارلينك بالفعل من خفض تكلفة المحطة لأكثر من نصف التكلفة الأولية البالغة 3,000 دولار أمريكي.
من جهةٍ أخرى، توقعت جوين شوتويل، رئيسة سبيس إكس، أن تكون الخدمة متاحة مقابل بضع مئات من الدولارات على مدى العام أو العامين المقبلين.
عدد المشتركين: نظرًا للتكلفة المرتفعة والمستمرة للإطلاق، يقول ماسك بأن ستارلينك تهدف إلى استقطاب 5% على الأقل من مستخدمي الإنترنت العالميين، أي عشرات الملايين من الأشخاص، ولكن عند حساب التكلفة الحالية، نجد بأنها ليست فعالة، من الناحية المالية، لمعظم المستخدمين.
لتحقق هذه التجربة النجاح، ستحتاج الشركة إلى التعامل بشكلٍ مناسب مع ارتفاع الطلب، وذلك من خلال أقمار صناعية أكثر قوة وجودة لتجنب الانقطاعات المزعجة التي ذكرتها آنفاً.
من المتوقع أن تحظى هذه التجربة بدعم حكومي، لاسيما مع ورود أنباء عن توفير ما يقرب من 900 مليون دولار من إعانات لجنة الاتصالات الفيدرالية لشركة ستارلينك، للمساعدة في مهمتها المتمثلة في إيصال خدمة الإنترنت إلى المناطق الريفية.
المنافسة: ستارلينك ليست وحدها في سباق الانترنت الفضائي، فالمنافسة تعني أنه سيكون هناك شركات ناجحة وأخرى خاسرة (إن جاز التعبير).
في هذا الإطار، ذكر تقرير صادر عن وكالة رويترز أن كايبر، برنامج الإنترنت الفضائي الخاص بشركة أمازون، لديه مشروع منافس بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي، بينما تعهدت شركة وان ويب البريطانية للاتصالات المختصة بإطلاق برامج الأقمار الصناعية، يأتي ذلك بعد أن استأنفت إطلاق الأقمار الصناعية إثر خروجها من فترة الحماية من الإفلاس، مع استثمارات وصلت إلى مليار دولار بدعم من الحكومة البريطانية. بدورها أكدت شركة بهارتي إنتربرايسز الهندية مشاركتها في هذا الصراع المثير، مشيرةً إلى أنها تعتزم توفير 2.4 مليار دولار أمريكي لتمويل مشروعها الخاص.
بالطبع، يستفيد مشروع ستارلينك من امتلاكه لبنيته التحتية الخاصة، حيث توفر شركة سبيس إكس المطورة للمشروع التكنولوجيا اللازمة للإطلاق، بينما تقوم ستارلينك بتصنيع أقمارها الصناعية ومحطاتها وشرائح اتصالاتها.
ولكن على الرغم من كل هذه العقبات والصعوبات، فإنني أرى أن ستارلينك هو مشروع واعد في مستقبل التكنولوجيا.